فصل: باب الصداق:

مساءً 4 :20
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



وفي هذا الحمل ضعف لأن هذه الأمور لاتؤثر الشروط في إيجابها فلا تشتد الحاجة إلى تعليق الحكم بالاشتراط فيها.
ومقتضى الحديث: أن لفظة: «أحق الشروط» تقتضي: أن يكون بعض الشروط يقتضي الوفاء, وبعضها أشد اقتضاء له والشروط التي هي مقتضى العقود: مستوية في وجوب الوفاء ويترجح على ما عدا النكاح: الشروط المتعلقة بالنكاح من جهة حرمة الأبضاع وتأكيد استحلالها والله أعلم.
7- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن الشغار.
والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق»
.
هذا اللفظ الذي فسر به الشغار تبين في بعض الروايات: أنه من كلام نافع والشغار بكسر الشين وبالغين المعجمة: اختلفوا في أصله في اللغة فقيل: هو من شغر الكلب: إذا رفع رجله ليبول كأن العاقد يقول: لا ترفع رجل ابنتي حتى أرفع رجل ابنتك وقيل: هو مأخوذ من شغر البلد: إذا خلا كأنه سمي بذلك للشغور عن الصداق.
والحديث صريح في النهي عن نكاح الشغار واتفق العلماء على المنع منه واختلفوا- إذا وقع- فساد العقد فقال بعضهم: العقد صحيح والواجب مهر المثل وقال الشافعي: العقد باطل وعند مالك فيه تقسيم ففي بعض الصور: العقد باطل عنده وفي بعض الصور: يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده وهو ما إذا سمي الصداق في العقد بأن يقول: زوجتك ابنتي بكذا على أن تزوجني ابنتك بكذا فاستخف مالك هذا لذكر الصداق.
وصورة الشغار الكاملة: أن يقول: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك وبضع كل منهما صداق الأخرى ومهما انعقد لي نكاح ابنتك انعقد لك نكاح ابنتي ففي هذه الصورة وجوه من الفساد.
منها تعليق العقد.
ومنها: التشريك في البضع.
ومنها: اشتراط هدم الصداق وهو مفسد عند مالك ولا خلاف أن الحكم لا يختص بمن ذكر في الحديث وهو الابنة بل يتعدى إلى سائر الموليات.
وتفسير نافع وقوله: (ولا صداق بينهما) يشعر بأن جهة الفساد: ذلك وإن كان يحتمل أن يكون ذكر ذلك لملازمته لجهة الفساد.
وعلى الجملة: ففيه إشعار بأن عدم الصداق له مدخل في النهي.
8- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية».
نكاح المتعة: هو تزوج الرجل المرأة إلى أجل وقد كان ذلك مباحا ثم نسخ والروايات تدل على أنه: أبيح بعد النهي ثم نسخت الإباحة فإن هذا الحديث عن علي رضي الله عنه: يدل على النهي عنها يوم خيبر وقد وردت إباحته عام الفتح ثم النهي عنها وذلك بعد يوم خيبر.
وقد قيل: إن ابن عباس رجع عن القول بإباحتها بعدما كان يقول به وفقهاء الأمصار كلهم على المنع وما حكاه بعض الحنفية عن مالك من الجواز فهو خطأ قطعا وأكثر الفقهاء على الاقتصار في التحريم على العقد المؤقت وعداه مالك بالمعنى إلى توقيت الحل وإن لم يكن عقد فقال: إذا علق طلاق امرأته بوقت لابد من مجيئه: وقع عليها الطلاق الآن وعلله أصحابه بأن ذلك تأقيت للحل وجعلوه في معنى نكاح المتعة.
وأما لحوم الحمر الأهلية: فإن ظاهر النهي التحريم وهو قول الجمهور وفي طريقة للمالكية: أنه مكروه مغلظ الكراهة ولم ينهوه إلى التحريم والتقيد بالأهلية: يخرج الحمر الوحشية ولا خلاف في إباحتها.
9- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن» قالوا: يا رسول الله فكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت».
كأنه أطلقت الأيم هاهنا بإزاء الثيب والاستئمار طلب الأمر والاستئذان طلب الإذن.
وقوله: «فكيف إذنها؟» راجع إلى البكر.
وفي الحديث دليل على أن إذن البكر سكوتها وهو عام بالنسبة إلى لفظ البكر ولفظ النهي في قوله: «لا تنكح» إما أن يحمل على التحريم أو على الكراهة فإن حمل على التحريم: تعين أحد الأمرين: إما أن يكون المراد بالبكر ما عدا الصغيرة فعلى هذا: لا تجبر البكر البالغ وهو مذهب أبي حنيفة وتمسكه بالحديث قوي لأنه أقرب إلى العموم من لفظ البكر وربما يزاد على ذلك بأن يقال: إن الاستئذان إنما يكون في حق من له إذن ولا إذن للصغيرة فلا تكون داخلة تحت الإرادة ويختص الحديث بالبوالغ فيكون أقرب إلى التناول وإما أن يكون المراد: اليتيمة وقد اختلف قول الشافعي في اليتيمة: هل يكتفي فيها بالسكوت أم لا؟ والحديث يقتضي الاكتفاء به وقد ورد مصرحا به في حديث آخر ومال إلى ترجيح هذا القول من يميل إلى الحديث من أصحابه وغيرهم من أهل الفقه: يرجح الآخر.
10- عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا, حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك», قالت: وأبو بكر عنده وخالد بن سعيد بالباب ينتظر أن يؤذن له فنادى أبا بكر: ألا تسمع إلى هذه ما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
تطليقه إياها بالبتات من حيث اللفظ: يحتمل أن يكون بإرسال الطلقات الثلاث ويحتمل أن يكون بإرسال الطلقات الثلاث ويحتمل أن يكون بإيقاع آخر طلقة ويحتمل أن يكون بإحدى الكنايات التي تحمل على البينونة عند جماعة من الفقهاء وليس في اللفظ عموم ولا إشعار بأحد هذه المعاني وإنما يؤخذ ذلك من أحاديث أخر تبين المراد ومن احتج على شيء من هذه الاحتمالات بالحديث: فلم يصب لأنه إنما دل على مطلق البت والدال على المطلق لا يدل على أحد قيديه بعينه.
وقولها: (فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير) هو بفتح الزاي وكسر الباء ثاني الحروف وثالثه ياء آخر الحروف.
وقولها: (إنما معه مثل هدبة الثوب) فيه وجهان:
أحدهما: أن تكون شبهته بذلك لصغره.
والثاني: أن تكون شبهته به لاسترخائه وعدم انتشاره.
وقوله عليه السلام: «لا حتى تذوقي عسيلته» يدل على أن الإحلال للزوج الثاني يتوقف على الوطء وقد يستدل به من يرى الانتشار في الإحلال شرطا من حيث إنه يرجح حمل قولها: (إنما معه مثل هدبة) على الاسترخاء وعدم انتشاره لاستبعاد أن يكون الصغر قد بلغ إلى حد لا تغيب منه الحشفة أو مقدارها الذي يحصل به التحليل.
وقوله عليه السلام: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟» كأنه بسبب: أنه فهم عنها إرادة فراق عبد الرحمن وإرادة أن يكون فراقه سببا للرجوع إلى رفاعة وكأنه قيل لها: إن هذا المقصود لا يحصل إلا بالدخول ولم ينقل فيه خلاف إلا عن سعيد بن المسيب فيما نعلمه واستعمال لفظ العسيلة مجاز عن اللذة ثم عن مظنتها وهو الإيلاج فهو مجاز على مذهب جمهور الفقهاء الذين يكتفون بتغييب الحشفة.
11- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: من السنة إذا تزوج البكر على الثيب: أقام عندها سبعا ثم قسم وإذا تزوج الثيب: أقام عندها ثلاثا ثم قسم. قال أبو قلابة ولو شئت لقلت: إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
الذي اختاره أكثر الأصوليين: أن قول الراوي من السنة كذا في حكم المرفوع لأن الظاهر أنه ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان يحتمل أن يكون ذلك قاله بناء على اجتهاد رآه ولكن الأظهر خلافه.
وقول أبي قلابة لو شئت لقلت: إن أنسا رفعه. إلخ يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون ظن ذلك مرفوعا لفظا عن أنس فتحرز عن ذلك تورعا.
والثاني: أن يكون رأى أن قول أنس من السنة في حكم المرفوع فلو شاء لعبر عنه بأنه مرفوع على حسب ما اعتقده: من أنه في حكم المرفوع والأول: أقرب لأن قوله من السنة يقتضي أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادي محتمل وقوله إنه رفعه نص في رفعه وليس للراوي أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نص غير محتمل.
والحديث يقتضي: أن هذا الحق للبكر أو الثيب: إنما هو فيه إذا كانتا متجددتين على نكاح امرأة قبلهما ولا يقتضي أنه ثابت لكل متجددة وإن لم يكن قبلها غيرها وقد استمر عمل الناس على هذا وإن لم يكن قبلها امرأة في النكاح والحديث لا يقتضيه.
وتكلموا في علة هذا فقيل: إنه حق للمرأة على الزوج لأجل إيناسها وإزالة الحشمة عنها لتجددها أو يقال: إنه حق للزوج على المرأة.
وأفرط بعض الفقهاء من المالكية فجعل مقامه عندها عذرا في إسقاط الجمعة إذا جاءت في أثناء المدة وهذا ساقط مناف للقواعد فإن مثل هذا من الآداب أو السنن لا يترك له الواجب ولما شعر بهذا بعض المتأخرين وأنه لا يصلح أن يكون عذرا: توهم أن قائله يرى الجمعة فرض كفاية وهو فاسد جدا لأن قول هذا القائل متردد محتمل أن يكون جعله عذرا أو أخطأ في ذلك وتخطئته في هذا أولى من تخطئته فيما دلت عليه النصوص وعمل الأمة من وجوب الجمعة على الأعيان.
13- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا».
فيه دليل استحباب التسمية والدعاء المذكور في ابتداء الجماع.
وقوله عليه السلام: «لم يضره الشيطان» يحتمل أن يؤخذ عاما يدخل تحته الضرر الديني ويحتمل أن يؤخذ خاصا بالنسبة إلى الضرر البدني بمعنى أن الشيطان لا يتخبطه ولا يداخله بما يضر عقله أو بدنه وهذا أقرب وإن كان التخصيص على خلاف الأصل لأنا إذا حملناه على العموم اقتضى ذلك: أن يكون الولد معصوما عن المعاصي كلها وقد لا يتفق ذلك أو يعز وجوده ولابد من وقوع ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم أما إذا حملناه على أمر الضرر في العقل أو البدن: فلا يمتنع ذلك ولا يدل دليل على وجوم خلافه والله أعلم.
13- عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والدخول على النساء», فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت».
ولمسلم عن أبي الطاهر عن ابن وهب قال: سمعت الليث يقول الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ابن العم ونحوهم.
لفظ الحمو يستعمل عند الناس اليوم في أبي الزوج وهو محرم من المرأة لا يمتنع دخوله عليهما فلذلك فسره الليث بما يزيل هذا الإشكال وحمله على من ليس بمحرم فإنه لا يجوز له الخلوة بالمرأة.
والحديث دليل على تحريم الخلوة بالأجانب.
وقوله: «إياكم والدخول على النساء» مخصوص بغير المحارم وعام بالنسبة إلى غيرهن ولابد من اعتبار أمر آخر وهو أن يكون الدخول مقتضيا للخلوة أما إذا لم يقتض ذلك فلا يمتنع.
وأما قوله عليه السلام: «الحمو الموت» فتأويله يختلف بحسب اختلاف الحمو فإن حمل على محرم المرأة- كأبي زوجها- فيحتمل أن يكون قوله: «الحمو الموت» بمعنى أنه لابد من إباحة دخوله كما أنه لابد من الموت وإن حمل على ما ليس بمحرم فيحتمل أن يكون هذا الكلام خرج مخرج التغليظ والدعاء لأنه فهم من قائله: طلب الترخيص بدخول مثل هؤلاء الذين ليسوا بمحارم فغلظ عليه لأجل هذا القصد المذموم بأن دخول الموت عوضا من دخوله زجرا عن هذا الترخيص على سبيل التفاؤل والدعاء كأنه يقال: من قصد ذلك فليكن الموت في دخوله عوضا من دخول الحمو الذي قصد دخوله ويجوز أن يكون شبه الحمو بالموت باعتبار كراهته لدخوله وشبه ذلك بكراهة دخول الموت.

.باب الصداق:

1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله أعتق صفية وجعل عتقها صداقها).
قوله: (و جعل عتقها صداقها) يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون تزوجها بغير صداق على سبيل الخصوصية برسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان عتقها مقام الصداق إذ لم يكن ثم عوض سمي صداقا.
والوجه الثاني: قول بعض الفقهاء أنه أعتقها فتزوجها على قيمتها وكانت مجهولة وذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعض أصحاب الشافعي معناه: أنه شرط عليها أن يعتقها ويتزوجها فقبلت فلزمها الوفاء به.